فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن نجدة الحنفي قال: سألت ابن عباس عن قوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} أخاص أم عام؟ قال: بل عام.
وأخرج عبد بن حميد عن نجدة بن نفيع قال: سألت ابن عباس عن قوله: {والسارق والسارقة..} الآية. قال: ما كان من الرجال والنساء قطع.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ من طرق، عن ابن مسعود أنه قرأ {فاقطعوا أيمانهما}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي. أنه قال: في قراءتنا، وربما قال: في قراءة عبد الله: {والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم}.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {جزاءً بما كسبا نكالًا من الله} قال: لا ترثوا لهم فيه، فإنه أمر الله الذي أمر به قال: وذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول: اشتدوا على الفساق واجعلوهم يدًا يدًا ورجلًا رجلًا.
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال «إن أول حد أقيم في الإسلام لرجل أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم سرق فشهدوا عليه، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع، فلما حف الرجل نظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما سفى فيه الرماد، فقالوا: يا رسول الله، كأنه اشتد عليك قطع هذا!.. قال: وما يمنعني وأنتم أعون للشيطان على أخيكم! قالوا: فأرسله. قال: فهلا قبل أن تأتوني به، إن الإمام إذا أتى بحد لم يسغ له أن يعطله». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {والسَّارقُ والسَّارقَةُ} قرأ الجمهور بالرفع.
وعيسى بن عُمَر وابن أبي عبلة بالنَّصْبِ.
ونقل عن أبيّ: {والسُّرَّق والسُّرَّقة} بضم السِّين وفتح الرَّاء مُشَدَّدَتَيْن؛ قال الخَفَّاف: «وجدته في مُصْحَفِ أبَيّ كذلك».
وممن ضبطهما بما ذكرت أبو عمرو، إلاَّ أن ابن عطيَّة جعل هذه القِراءة تَصْحيفًا فإنَّه قال: «ويُشبهُ أنْ يكُون هذا تَصْحِيفًا من الضابط».
لأن قراءة الجماعة إذا كتبت: «والسّرق»: بغير ألف وافقت في الخط هذه، قلت: ويمكن توجيه هذا القِرَاءة بأنَّ «السرق» جمع «سَارِق»، فإنَّ فُعَّلا يَطّرد جَمْعًا لفاعِل صِفَةً، نحو ضارِب وضُرَّب.
والدَّليل على أنَّ المراد الجمع قراءة عبد الله: {والسَّارقون والسَّارقَات} بصيغتي جمع السلامة، فدلَّ على أنَّ المُرَاد الجَمْع، إلا أنه يَشْكُل في أنّ «فُعَّلا» يكُون من جمع: فاعِل وفاعلة تقول: نِسَاءٌ ضُرَّب، كما تقول: رِجَالٌ ضُرَّب، ولا يُدْخِلُون عليه تاء التَّأنِيث حيث يُرادُ به الإنَاثُ، والسُّرَّقة هنا- كما رأيت- في هذه القراءة بِتَاءِ التَّأنيث، حيث أُرِيد بـ «فُعَّل» جمع فاعلة، فهو مُشْكِلٌ من هذه الجِهَة لا يقال: إن هذه التَّاء يجوز أن تكُون لِتَأكِيد الجمع؛ لأنَّ ذلك محفُوظٌ لا يُقَاس عليه نحو: «حِجَارة» وأمَّا قِرَاءَةُ الجُمْهُور فَفِيهَا وجهان:
أحدهما: هو مذهَبُ سيَبوَيْه، والمشهُور من أقوال البَصريِّين أن «السَّارِق» مبتدأ مَحْذُوف الخَبَر تقديرُهُ: «فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُم» أو فيما فَرَضَ- {السَّارِق} و{السَّارِقَة} أي: حُكم السَّارِق، وكذا قوله: {الزانية والزاني فاجلدوا} [النور: 2].
ويكون قوله: {فَاقْطَعُوا} بيانًا لذلك الحُكم المقدَّر، فما بعد الفاء مُرْتَبِطٌ بما قَبْلَها، ولذلك أتى بها فيه؛ لأنَّهُ هُوَ المَقْصُود.
ولو لم يَأتِ بالفَاءِ لَتوهّم أنه أجْنَبِيّ والكلامُ على هذا جُملتان: الأولى: خَبَريَّة، والثَّانية: أمْرِيَّة.
والثاني: وهو مذهب الأخْفَش، ونُقِلَ عن المُبَرِّد وجماعة كثيرة أنَّهُ مُبْتَدأ أيضًا، والخبر الجُمْلَةُ الأمْرِية من قوله: {فاقْطَعُوا}، وإنَّما دخلت الفاء في الخَبَر؛ لأنه يُشْبِهُ الشَّرْط؛ إذ الألِفُ واللاَّم فيه موصُولة، بمعنى «الَّذِي» و«الَّتِي» والصفَةُ صلتُهَا، فهي في قُوَّةِ قولك: «والذي سرق والتي سَرَقَت فاقْطَعُوا»، وهو اختيار الزَّجَّاج.
وما يدلُّ على أنَّ المراد من الآيَة الشَّرْط والجزاء وُجُوه:
الأوَّل: أنه تعالى صَرَّح بذلك في قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا}.
وهذا يدلُّ على أنَّ القَطْع جزاءٌ على فِعْل السَّرِقة، فوجَبَ أن يَعُمَّ الجَزَاء لعُموم الشَّرط.
والثاني: أن السَّرِقة جناية، والقطع عُقُوبة، فربط العُقُوبة بالجناية مناسب، وذكر الحُكم عَقِيب الوَصْف المُنَاسب يدلُّ على أنَّ الوصْفَ عِلَّة لذلك الحُكم.
الثالث: أنّا إذا حملنا الآيَة على هذا الوجه كانت الآية مُفِيدة، ولوْ حملْنَاها على سَارِقٍ مُعَيَّن صَارَت مُجْمَلة غير مفيدة، فالأوَّل أوْلى.
وأجاز الزمَخْشَري الوجهَيْن، ونسب الأوَّل لسيبَويه، ولم يَنْسِبِ الثَّانِي، بل قال: وَوَجْهٌ آخر، وهو أن يَرْتفعَا بالابْتداء، والخبر: {فَاقْطَعُوا}.
وإنما اخْتَارَ سيبوَيْه أنَّ خبره مَحْذوف كما تقدَّم تقديرُه دون الجُمْلَة الطَّلَبِيَّة بعده لوجْهَيْن:
أحدهما: النَّصْب في مثله هو الوجه في كلام العرب، نحو: «زَيْدًا فاضْرِبْهُ» لأجل الأمْرِ بعده.
قال سيبويه في هذه الآية: الوجْهُ في كلام العرب النَّصب، كما تقول «زَيْدًا فاضْرِبْه»، ولكن أبتِ العَامَّةُ إلاَّ الرَّفع.
والثاني: دخول الفَاءِ في خَبَره، وعنده أنَّ «الفَاء» لا تدخل إلا في خبر الموصُول الصَّرِيح كـ «الذي»، و«من»، بشُرُوط أخر مذكورة في كُتُبِ النَّحْو، وذلك لأنَّ الفَاء إنَّما دَخَلَتْ لِشَبَهِ المُبْتَدأ بالشَّرْط، واشْتَرَطُوا أن تَصْلُح لأداة الشَّرْط من كَوْنِهَا جُمْلَة فعلية مستقبلة المَعْنَى، أو ما يقوم مقامَها من ظَرْفٍ وشِبْهِهِ، ولذلك إذا لم تَصْلُح لأداة الشَّرْط، لم يَجُزْ دخول الفَاء في الخبر، وصِلَةُ «أل» لا تَصْلُح لِمُبَاشرة أدَاةِ الشَّرْط فلذلك لا تدخل الفاء في خبرها، وأيضًا ف «ألْ» وصلَتُها في حكم اسْمٍ واحدٍ، ولذلك تَخَطَّاهَا الإعْرَاب.
وأما قِرَاءة عِيسى بن عمر، وإبراهيم: فالنَّصْب بفعل مُضْمَرٍ يُفَسِّره العَامِل في سببيهما نحو: «زَيْدًا فأكْرِمْ أخاهُ»، والتقدير: «فعاقِبُوا السَّارِق والسَّارِقَة» تقدِّره فِعْلًا من معناه، نحو «زَيْدًا ضَرْبتُ غُلامه»، أي: «أهَنْتُ زَيْدًا».
ويجُوز أن يقدَّر العامِل موافقًا لَفْظًا؛ لأنَّه يُسَاغ أن يُقَال: قطعت السَّارِق وهذه قراءة واضِحَة لمكان الأمر بعد الاسم المُشْتَغِل عَنْهُ.
قال الزَّمَخْشَرّيُّ: وفَضَّلها سيبوَيْه على قِرَاءَة العامَّة؛ لأجل الأمْر؛ لأن «زَيْدًا فاضْرِبْه» أحْسَن من «زيدٌ فاضْرِبه».
وفي نقله تَفْضيل النَّصْب على قراءة العامَّة نظر، ويظهر ذلك بنصِّ سيبويه.
قال سيبويه: الوجْهُ في كلام العرب النَّصْب، كما تقُول: «زيدًا اضْرِبْه»؛ ولكن أبت العامَّة إلا الرَّفع، وليس في هذا ما يَقْتَضِي تَفْضِيل النَّصْب بل مَعْنى كلامه أن هذه الآية لَيْسَتْ من الاشتِغَال في شَيْء؛ إذ لو كان من باب الاشْتِغَال لكانَ الوَجْهُ النَّصب، ولكن لم يقْرَأها الجُمْهُور إلا بالرَّفْع، فَدَلَّ على أنَّ الآيَة محمولة على كلامين كما تقدَّم، لا على كلامٍ واحد، وهذا ظَاهِرٌ.
وقد رد ابن الخَطِيب على سيبويه بِخَمْسَةِ أوْجُه، وذلك أنه فهم كما فهم الزَّمَخْشَرِيُّ من تفضيل النًّصْب، فقال: الذي ذهب إليه سيبويه ليس بِشَيْء، ويدل على فَسَادِه وُجُوه:
الأول: أنه طعنٌ في القِرَاءة المُتَوَاتِرَة المَنْقُولة عن الرَّسُول وعن أعْلام الأمَّة، وذلك بَاطِلٌ قَطْعًا، فإن قال سيبويه: لا أقُول: إنَّ القراءة بالرَّفْع غير جَائِزة، ولكنِّي أقُول: قِرَاءة النَّصْب أوْلَى، فنقول: رَدِيءٌ أيْضًا؛ لأن تَرْجِيح قِرَاءة لم يَقْرَأ بِها إلاَّ عيسَى بن عمر على قِرَاءَة الرَّسُول وجميع الأمَّة في عَهْد الصَّحابة والتَّابعين أمر مُنْكَر، وكلام مَرْدُودٌ.
الثاني: لو كانت القراءة بالنَّصْب أوْلَى، لَوَجَبَ أنْ يكون في القُرَّاء من يَقْرأ: {واللّذين يَأتيَانها مِنكُمْ فآذُوهُمَا} [النساء: 16]، بالنَّصْب، ولمَّا لم يوجد في القُرَّاء من يقرأ كذلك، عَلِمْنا سقوط هذا القَوْل.
الثالث: أنَّا إذا جَعَلْنَا {السَّارِق والسَّارِقة} مُبْتَدأ، وخبره مُضمَر وهو الذي يقدِّره «فيما يُتلَى عليْكُم» بقي شيءٌ آخر يتعلَّق به الفاء في قوله: {فَاقْطَعُوا}.
فإن قال: الفاء تتعلَّق بالفعل الذي دلَّ عليه قوله: {والسَّارِق والسَّارِقَةُ}، يعني: أنَّه إذا أتى بالسَّرِقة فاقْطَعُوا يَدَهُ.
فنقول: إذا احْتجت في آخِر الأمْر أنْ تَقُول: السَّارِق والسَّارِقة تقديره: «مَنْ سَرَقَ»، فاذكر هذا أوَّلًا، حتى لا تَحْتَاج إلى الإضْمَار الذي ذكرته.
الرابع: أنا إذا اخْتَرْنَا القراءة بالنصب لم يَدُلَّ ذلك على أنَّ السَّرِقة علةٌ لوجُوب القَطْع، وإذا اخْتَرْنَا القِرَاءة بالرَّفْع أفادتِ الآيةُ هذا المَعْنَى ثم إنَّ هذا المعنى مُتأكد بقوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا}، فثَبَت أنَّ القراءة بالرَّفْعِ أوْلَى.
الخامس: أنَّ سيبويه قال: «وَهُم يُقَدِّمُون الأهَمَّ، والذي هم بِبَيَانه أعْنَى» فالقِرَاءة بالرَّفْع تَقْتَضِي تقْديم ذكر كَوْنه سَارِقًا على ذِكْرِ وُجُوبِ القَطْع، وهذا يَقْتَضِي أن يكُون أكبر العِنَايَةِ مَصْرُوفًا إلى شَرْح ما يتعلَّق بِحَال السَّارِق مِنْ حَيْثُ إنَّه سَارِقُ.
وأمَّا قراءة النَّصْبِ، فإنها تَقْتَضِي أنْ تكُون العِنَايَةُ بِبَيانِ القَطْع أتم من العِنايَة بكونه سَارِقًا، ومَعْلُوم أنَّه لَيْسَ كذلك، فإنَّ المَقصُود في هذه الآية تَقْبِيحُ السَّرِقَة، والمُبَالَغة في الزَّجْر عنها، فثبت أنَّ القراءة بالرَّفْع هي المُتعينَة.
انتهى ما زعَم أنه رَدّ على إمَام الصِّنَاعة، والجواب عن الوجْهِ الأوَّل ما تقدَّم جوابًا عمَّا قالهُ الزَّمَخْشَرِي وقد تقدَّم، ويُؤيِّدُه نصُّ سيبويه، فإنَّه قال: وقد يَحْسُن ويستَقِيمُ: «عَبْدُ الله فاضْرِبْه»، إذا كان مَبْنِيًّا على مُبْتدأ مُظْهر أو مُضْمَر.
فأمَّا في المُظْهَر، فقوله: «هَذَا زَيْدٌ فاضْرِبْه» وإن شِئْتَ لم تُظْهِر هذا، ويعمل كعملِهِ إذا كان مُظْهرًا، وذلك قولُك: «الهِلال والله فانْظُرْ إليه»، فَكَأنَّك قُلْت: «هذا الهِلالُ»، ثُمَّ جِئْت بالأمْر.
ومن ذلك قول الشَّاعِر: [الطويل]
وقَائِلَةٍ: خَوْلانُ فَانِكحْ فَتَاتَهُمْ ** وَأكْرُومةُ الحَيَّيْنِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا

هكذا سُمِعَ من العربِ تُنْشِدُهُ، يعني بِرَفْعِ «خَوْلان»، فمع قوله: «يَحْسُن ويستقيم» كيف يكون طاعِنًا في الرَّفْع؟.
وقوله: «وإن قَالَ سيبويه» الخ فسِيبَويْه لا يقول ذَلِكَ، وكَيْفَ يَقُولُهُ، وقد رَجح الرَّفع بما أوْضَحْتُهُ.
وقوله: «لَمْ يَقْرأ بها إلاَّ عيسى» لَيْس كما زَعَمَ بل قَرَأ بها جماعةٌ كإبْراهيم بن أبي عَبْلَة.
وأيضًا فهؤلاء لم يَقْرءُوهَا من تِلْقَاءِ أنْفُسِهِم، بل نَقَلُوهَا إلى أنْ تَتّصل بالرَّسُول صلى الله عليه وسلم، غاية ما في البَابِ أنَّها لَيْسَت في شُهْرَةِ الأولى.
وعن الثاني: أنَّ سيبويه لم يَدَّعِ تَرْجيحَ النَّصْب حتى يُلْزَم بما قَاله، بل خَرَّج قراءة العامَّة على جُملتَيْن، لما ذكرت لَكَ فيما تقدَّم من دُخُول الفاءِ، ولذلك لمَّا مثَّل سيبويه جُمْلَة الأمْرِ والنَّهْي بعد الاسْمِ مثلهما عاريَتَيْن من الفَاء، قال: وذلِكَ قولك: «زَيْدًا اضْربْه» و«عَمْرًا امرُر به».